{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} قيلَ هيَ الإبلُ خَاصَّةً، أي خلقَها لأجلِكُم ومصلحتِكم. وقولُه تعالى: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} تفصيلٌ لما دلَّ عليهِ اللامُ إجمالاً، ومِنْ لابتداءِ الغايةِ ومعناهَا ابتداءٌ الركوبِ والأكلِ منَها أي تعلقهُما بَها، وقيل: للتبعيضِ أي لتركبُوا بعضَها وتأكلُوا بعضَها لا على أَنَّ كلاَّ من الركوبِ والأكلِ مختصٌّ ببعضٍ معينٍ منها بحيثُ لا يجوزُ تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بلْ على أنَّ كلَّ بعضٍ منَها صالحٌ لكلَ منهما، وتغييرُ النظمِ الكريمِ في الجُملةِ الثانيةِ لمُراعاةِ الفواصلِ معَ الإشعارِ بأصالِة الركوبِ {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أُخرُ غيرُ الركوبِ والأكلِ كألبانِها وأوبارِها وجلودِها {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ} بحملِ أثقالِكم من بلدٍ إلى بلدٍ {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} لعلَّ المرادَ به حملُ النساءِ والولدانِ عليها بالهودجِ، وهو السرُّ في فصلِه عن الركوبِ. والجمعُ بينَها وبينَ الفلكِ في الحملِ لما بينَهمَا من المناسبةِ التامَّةِ حتى سُميتْ سفائنَ البرِّ وقيلَ: هي الأزواجُ الثمانيةُ فمعنى الركوبِ والأكلِ منها تعلقُهمَا بالكلِّ لكنْ لا على أنَّ كلاَّ منهُمَا تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بل على أنَّ بعضَها يتعلقُ به كلاهُما كالإبلِ والبقرِ، والمنافعُ تعمُّ الكلَّ، وبلوغُ الحاجةِ عليها يعمُّ البقرَ {وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائلَه الدالةَ على كمالِ قُدرتِه ووفورِ رحمتِه {فَأَىَّ ءايات الله} أي فأيَّ آيةٍ من تلكَ الآياتِ الباهرةِ {تُنكِرُونَ} فإنَّ كلاً منها من الظهورِ بحيثُ لا يكادُ يجترىءُ على إنكارِها مَنْ له عقلٌ في الجملةِ وهو ناصبٌ لأيَّ، وإضافةُ الآياتِ إلى الاسمِ الجليلِ لتربيةِ المهابةِ وتهويلِ إنكارِها وتذكير أيْ هُو الشائعُ المستفيضُ، والتأنيثُ قليلٌ لأنَّ التفرقةَ بين المذكِر والمؤنثِ في الأسماءِ غيرُ الصفاتِ نحوُ حمارٌ وحمارةٌ غريبٌ وهيَ في أيَ أغربُ لإبهامِه.{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أي أقعدُوا فلم يسيُروا {فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأممِ المُهلكةِ. وقولُه تعالَى: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} إلخ استئنافٌ مسوقٌ لبيان مبادِي أحوالِهم وعواقِبها {وَءَاثَاراً فِى الأرض} باقيةً بعدَهُم من الأبنيةِ والقصورِ والمصانعِ، وقيل هي آثارُ أقدامِهم في الأرضِ لعظمِ أجرامِهم {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} مَا الأُولى نافيةٌ أو استفهاميةٌ منصوبةٌ بأَغْنَى، والثانيةُ موصولةٌ أو مصدريةٌ مرفوعةٌ، أيْ لَم يُغنِ عنهُم أو أيَّ شيءٍ أغنَى عنهُم مكسوبُهم أو كسبُهم.