سورة غافر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} قيلَ هيَ الإبلُ خَاصَّةً، أي خلقَها لأجلِكُم ومصلحتِكم. وقولُه تعالى: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} تفصيلٌ لما دلَّ عليهِ اللامُ إجمالاً، ومِنْ لابتداءِ الغايةِ ومعناهَا ابتداءٌ الركوبِ والأكلِ منَها أي تعلقهُما بَها، وقيل: للتبعيضِ أي لتركبُوا بعضَها وتأكلُوا بعضَها لا على أَنَّ كلاَّ من الركوبِ والأكلِ مختصٌّ ببعضٍ معينٍ منها بحيثُ لا يجوزُ تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بلْ على أنَّ كلَّ بعضٍ منَها صالحٌ لكلَ منهما، وتغييرُ النظمِ الكريمِ في الجُملةِ الثانيةِ لمُراعاةِ الفواصلِ معَ الإشعارِ بأصالِة الركوبِ {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أُخرُ غيرُ الركوبِ والأكلِ كألبانِها وأوبارِها وجلودِها {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ} بحملِ أثقالِكم من بلدٍ إلى بلدٍ {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} لعلَّ المرادَ به حملُ النساءِ والولدانِ عليها بالهودجِ، وهو السرُّ في فصلِه عن الركوبِ. والجمعُ بينَها وبينَ الفلكِ في الحملِ لما بينَهمَا من المناسبةِ التامَّةِ حتى سُميتْ سفائنَ البرِّ وقيلَ: هي الأزواجُ الثمانيةُ فمعنى الركوبِ والأكلِ منها تعلقُهمَا بالكلِّ لكنْ لا على أنَّ كلاَّ منهُمَا تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بل على أنَّ بعضَها يتعلقُ به كلاهُما كالإبلِ والبقرِ، والمنافعُ تعمُّ الكلَّ، وبلوغُ الحاجةِ عليها يعمُّ البقرَ {وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائلَه الدالةَ على كمالِ قُدرتِه ووفورِ رحمتِه {فَأَىَّ ءايات الله} أي فأيَّ آيةٍ من تلكَ الآياتِ الباهرةِ {تُنكِرُونَ} فإنَّ كلاً منها من الظهورِ بحيثُ لا يكادُ يجترىءُ على إنكارِها مَنْ له عقلٌ في الجملةِ وهو ناصبٌ لأيَّ، وإضافةُ الآياتِ إلى الاسمِ الجليلِ لتربيةِ المهابةِ وتهويلِ إنكارِها وتذكير أيْ هُو الشائعُ المستفيضُ، والتأنيثُ قليلٌ لأنَّ التفرقةَ بين المذكِر والمؤنثِ في الأسماءِ غيرُ الصفاتِ نحوُ حمارٌ وحمارةٌ غريبٌ وهيَ في أيَ أغربُ لإبهامِه.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أي أقعدُوا فلم يسيُروا {فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأممِ المُهلكةِ. وقولُه تعالَى: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} إلخ استئنافٌ مسوقٌ لبيان مبادِي أحوالِهم وعواقِبها {وَءَاثَاراً فِى الأرض} باقيةً بعدَهُم من الأبنيةِ والقصورِ والمصانعِ، وقيل هي آثارُ أقدامِهم في الأرضِ لعظمِ أجرامِهم {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} مَا الأُولى نافيةٌ أو استفهاميةٌ منصوبةٌ بأَغْنَى، والثانيةُ موصولةٌ أو مصدريةٌ مرفوعةٌ، أيْ لَم يُغنِ عنهُم أو أيَّ شيءٍ أغنَى عنهُم مكسوبُهم أو كسبُهم.


{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزاتِ أو بالآياتِ الواضحةِ {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} أي أظهرُوا الفرحَ بذلكَ وهو ما لَهُم من العقائدِ الزائغةِ والشُّبهِ الداخصةِ. وتسميتُها علماً للتهكمِ بهم، أو علُم الطبائعِ والتنجيمِ والصنائعِ ونحوِ ذلك، أو هو علمُ الأنبياءِ الذي أظهرَهُ رسلُهم على أنَّ مَعْنى فرحِهم بهِ ضحِكُهم منْهُ واستهزاؤُهم بهِ، ويؤيدُه قولُه تعالى: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وقيلَ الفرحَ أيضاً للرسلِ فإنَّهم لمَّا شاهدُوا تماديَ جهلِهم وسوءَ عاقبتِهم فِرحُوا بمَا أُوتوا منَ العلمِ المُؤدِّي إلى حُسنِ العاقبةِ وشكرُوا الله عليهِ وحاقَ بالكافرينَ جزاءُ جهلِهم واستهزائِهم {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} شدةَ عذابِنا ومنْهُ قولُه تعالى: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} {قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} يعنونَ الأصنامَ {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي عندَ رؤيةِ عذابِنا لامتناعِ قَبولِه حينئذٍ ولذلكَ قيلَ فلم يكُ يمعَنْى لَم يصحَّ ولم يستقمْ. والفاءُ الأُولى لبيانِ عاقبةِ كثرتِهم وشدةِ قوتِهم وما كانُوا يكسبونَ بذلكَ زعماً منهُم أنَّ ذلكَ يُغنِي عنُهم فلم يترتبْ عليهِ إلا عدمُ الإغناءِ فبهذا الاعتبارِ جرى مَجرى النتيجةِ وإنْ كانَ عكسَ الغرضِ ونقيضَ المطلوبِ كَما في قولِك وعظتُه فلم يتعظْ، والثانيةُ تفسيرٌ وتفصيلٌ لما أُبهمَ وأُجملَ من عدمِ الإغناءِ وقد كثُر في الكلامِ مثلُ هذه الفاءِ ومبناهَا على أنَّ التفسيرَ بعدَ الإبهامِ والتفصيلَ بعد الإجمالِ، والثالثةُ لمجردِ التعقيبِ وجعلِ ما بعدَها تابعاً لما قبلَها واقعاً عقيبه لأنَّ مضمونَ قولِه تعالَى: فلمَّا جاءتْهُم إلخ هُو أنَّهم كفُروا فصارَ مجموعُ الكلامِ بمنزلةِ أنْ يقالَ فكفرُوا ثمَّ لما رَأَوا بأسَنا آمنُوا، والرابعةُ للعطفِ على آمنُوا كأنَّه قيلَ فآمنُوا فلم ينفعْهُم لأنَّ النافعَ هُو الإيمانُ الاختياريُّ {سُنَّةَ الله التى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ} أي سَنَّ الله تعالَى ذلكَ سُنَّةً ماضيةً في العباد وهو من المصادر المؤكدةِ {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي وقتَ رؤيتِهم البأسَ على أنَّه اسمُ مكانٍ قد استُعيرَ للزمانِ كما سلفَ آنِفاً.
عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ المؤمنِ لم يبقَ روحُ نبيَ ولا صدِّيقٍ ولا شهيدٍ ولا مؤمنٍ إلا صلَّى عليه واستغفرَ له».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8